صفحات تربوية في الأدب والنقد وتحليل الخطاب للأستاذ الرحالي الرضواني
وقل رب زدني علما
الخميس، 8 أكتوبر 2015
قصيدة المتنبي : واحر قلباه
1وَاحَــرَّ قَلبــاهُ مِمَّــن قَلْبُـهُ شَـبِمُ
|
ومَــن بِجِسـمي وَحـالي عِنْـدَهُ سَـقَمُ
|
2- مـا لـي أُكَـتِّمُ حُبّـاً قـد بَـرَى جَسَــدي
|
وتَــدَّعِي حُـبَّ سَـيفِ الدَولـةِ الأُمَـمُ
|
3- إِنْ كــانَ يَجمَعُنــا حُــبٌّ لِغُرَّتِــهِ
|
فَلَيــتَ أَنَّــا بِقَــدْرِ الحُـبِّ نَقتَسِـمُ
|
4- قــد زُرتُـه وسُـيُــوفُ الهِنـدِ مُغمَـدةٌ
|
وقــد نَظَــرتُ إليـهِ والسُـيُوفُ دَمُ
|
5- وَكــانَ أَحسَــنَ خَــلقِ اللـه كُـلِّهِمِ
|
وكـانَ أَحْسَـنَ مـا فـي الأَحسَنِ الشِيــَمُ
|
6- فَــوتُ العَــدُوِّ الِّـذي يَمَّمْتَـهُ ظَفَـرٌ
|
فــي طَيِّـهِ أَسَـفٌ فـي طَيِّـهِ نِعَـمُ
|
7- قـد نـابَ عنكَ شَدِيــدُ الخَوفِ واصطَنَعَتْ
|
لَــكَ المَهابــةُ مـا لا تَصْنـعُ البُهَـمُ
|
8- أَلــزَمْتَ نَفْسَــكَ شَـيْئاً لَيسَ يَلْزَمُهـا
|
أَنْ لا يُـــوارِيَهُم أرضٌ ولا عَلَـــمُ
|
9- أَكلمــا رُمـتَ جَيشـاً فـانثَنَى هَرَبـاً
|
تَصَــرَّفَتْ بِــكَ فـي آثـارِهِ الهِمَـمُ
|
10- علَيــكَ هَــزمُهُمُ فـي كُـلِّ مُعْـتَرَكٍ
|
ومــا عَلَيـكَ بِهِـمْ عـارٌ إِذا انهَزَمـوا
|
11- أَمـا تَـرَى ظَفَـراً حُـلواً سِـوَى ظَفَرٍ
|
تَصـافَحَتْ فيـهِ بيـضُ الهِنْـدِ والِلمَـمُ
|
12- يــا أَعـدَلَ النـاسِ إِلاَّ فـي مُعـامَلَتي
|
فيـكَ الخِصـامُ وأَنـتَ الخَـصْمُ والحَكَمُ
|
13- أُعِيذُهــا نَظَــراتٍ مِنْــكَ صادِقَـةً
|
أَنْ تَحْسَـبَ الشَـحمَ فيمَـن شَـحْمُهُ وَرَمُ
|
14- ومـا انتِفـاعُ أَخـي الدُنيـا بِنـاظرِهِ
|
إِذا اســتَوَتْ عِنـدَهُ الأَنـوارُ والظُلَـمُ
|
15- سَــيَعْلَمُ الجَـمْعُ مِمَّـن ضَـمَّ مَجْلِسُـنا
|
بِــأنَّني خَـيْرُ مَـن تَسْـعَى بِـهِ قـدَمُ
|
16- أَنـا الَّـذي نَظَـرَ الأَعمَـى إلـى أَدَبي
|
وأَســمَعَتْ كَلِمـاتي مَـن بِـهِ صَمَـمُ
|
17- أَنـامُ مِـلءَ جُـفُوني عـن شَـوارِدِها
|
ويَسْــهَرُ الخَــلْقُ جَرَّاهـا ويَخـتَصِمُ
|
18- وَجَــاهِلٍ مَـدَّهُ فـي جَهلِـهِ ضَحِـكِي
|
حَــتَّى أَتَتْــهُ يَــدٌ فَرَّاســةٌ وفَـمُ
|
19- إِذا رَأيــتَ نُيُــوبَ اللّيــثِ بـارِزَةً
|
فَــلا تَظُنَّــنَ أَنَّ اللَيــثَ يَبْتَسِــمُ
|
20- ومُهجـةٍ مُهجـتي مِـن هَـمِّ صاحِبِهـا
|
أَدرَكْتُهــا بِجَــوادٍ ظَهْــرُهُ حَــرَمُ
|
21- رِجـلاهُ فـي الـرَكضِ رِجْلٌ واليَدانِ يَدٌ
|
وفِعْلُــهُ مــا تُريــدُ الكَـفُّ والقَـدَمُ
|
22- ومُـرهَفٍ سِـرتُ بَيـنَ الجَحْـفَلَينِ بِـهِ
|
حـتَّى ضَـرَبْتُ ومَـوجُ المَـوتِ يَلْتَطِمُ
|
23- الخَــيْلُ واللّيــلُ والبَيـداءُ تَعـرِفُني
|
والسَـيفُ والـرُمْحُ والقِرطـاسُ والقَلَـمُ
|
24- صَحِـبتُ فـي الفَلَـواتِ الوَحشَ مُنْفَرِداً
|
حــتَّى تَعَجَّـبَ منَّـي القُـورُ والأَكَـمُ
|
25- يــا مَــن يَعِـزُّ عَلَينـا أن نُفـارِقَهم
|
وَجداننــا كُـلَّ شَـيءٍ بَعـدَكُمْ عَـدَمُ
|
26- مــا كــانَ أَخلَقَنــا مِنكُـم بِتَكرِمـة
|
لَــو أَن أَمــرُكُمُ مِــن أَمرِنـا أَمَـمُ
|
27- إِن كــانَ سَــرَّكُمُ مـا قـالَ حاسِـدُنا
|
فَمــا لِجُــرْحٍ إِذا أَرضــاكُمُ أَلَــمُ
|
28- وبَينَنــا لَــو رَعَيْتُــمْ ذاكَ مَعرِفـةٌ
|
إِنَّ المَعـارِفَ فـي أَهـلِ النُهَـى ذِمَـمُ
|
29- كَــم تَطلُبُــونَ لَنـا عَيبـاً فيُعجِـزُكم
|
ويَكــرَهُ اللــه مـا تـأْتُونَ والكَـرَمُ
|
30- مـا أَبعَـدَ العَيْـبَ والنُقصانَ عن شَرَفي
|
أَنــا الثُرَيَّــا وَذانِ الشَـيبُ والهَـرَمُ
|
31- لَيـتَ الغَمـامَ الـذي عِنـدِي صَواعِقُـهُ
|
يُــزِيلُهُنَّ إلــى مَــن عِنـدَه الـدِيَمُ
|
32- أَرَى النَــوَى يَقْتَضِينـي كُـلَّ مَرْحَلـةٍ
|
لا تَســتَقِلُّ بِهــا الوَخَّــادةُ الرُسُـمُ
|
33- لَئِــن تَـرَكْنَ ضُمَـيراً عـن مَيامِنِنـا
|
لَيَحْـــدُثَنَّ لِمَــنْ ودَّعْتُهُــمْ نَــدَمُ
|
34- إذا تَرَحَّــلْتَ عـن قَـومٍ وقـد قَـدَروا
|
أَن لا تُفـــارِقَهم فــالراحِلُونَ هُــمُ
|
35- شَــرُّ البِـلادِ بلادٌ لا صَـديقَ بـهِ
|
وشَـرُّ مـا يَكْسِـبُ الإِنسـانُ مـا يَصِمُ
|
36- وشَــرُّ مـا قَنَصَتْـهُ راحَـتي قَنَـصٌ
|
شُــهْبُ الـبُزاةِ سَـواءٌ فيـهِ والرَخَـمُ
|
37- بــأَيَّ لَفْــظٍ تَقُـولُ الشِـعْرَ زِعْنِفـةٌ
|
تجُــوزْ عِنـدَكَ لا عُـرْبٌ وِلا عَجَـمُ
|
38- هـــذا عِتـــابكَ إِلاَّ أَنَّــهُ مِقَــةٌ
|
قــد ضُمِّــنَ الــدُرَّ إِلاَّ أَنَّـهُ كَـلِمُ
|
الاثنين، 6 أبريل 2015
التفكير النقدي والبلاغي عند الشريف الرضي دراسة في المنهج والمنوال
إن
نشوء الشريف الرضي في بيت يتخذ كتاب الله وسنة رسوله عليه السلام منهاجا، ويعتمد
خطب الإمام رضي الله عنه دستورا في الأخلاق والسياسة والاجتماع وتربية الأذواق
وصقل المواهب. إن كل هذا، إلى جانب ثقافته المتشعبة منحه القدرة على الخوض في كل
أجناس الكتابة والتأليف المعروفة في زمنه، وأكسبه الإحساس العميق والمتفرد بسحر
الكلمة، وأهله لفهم المقاصد وتسديد المفاسد، وأورثه الذوق الرفيع لتمييز العيي من
البديع.
ففي
غمرة الكتابة والتأليف سجل الشريف الرضي مجموعة من الآراء النقدية المتقدمة التي
جاءت موزعة بين متون مؤلفاته وأبيات قصائده، والتي تنم بوضوح عن قناعاته الدينية
ورؤاه البلاغية، وتسمح بتحديد منهجه في النقد والترشيد. وللوقوف على هذه الآراء
النقدية وخبر ماهيتها وتسطير أسلوبه في التقويم الدلالي والتعبيري والمنهجي، سننظر
فيها من زاويتين؛ إحداهما بلاغية والثانية شرعية. والذي حملنا على هذا التقسيم هو
الرغبة في تبسيط مساطر التحليل، وإلا فالاشتغال على اللغة يظل واحداً وإن تعددت
تجليات هذه اللغة.
1-
الناقد البلاغي :
إذا
كان الشريف الرضي لم يخلف كتابا مستقلا في البلاغة والنقد، فإنه قد خَلَّلَ كثيرا
من مؤلفاته بآراء تسمح لنا بعده ناقدا بلاغيا دون ادعاء؛ ناقدا مرهف الحس، رفيع
الذوق، أحس الكلمة وعاش سحرها، وخبر أدوارها في تشكيل الشخصية الفنية، فثبت لديه
أن هذه الكلمة متى أسندتها الفطرة السليمة والطبع العفوي، جاءت مشرقة صادقة، ومتى
عدمت هذا أضحت حشوا لا يلتفت إليه. وسنبسط القول في هذه الآراء على النحو الآتي :
الثلاثاء، 6 يناير 2015
الغرض الشعري الماهية والتجلي دراسة نقدية
(مطبوع دراسي)
السنة الجامعية
2014-2015
ذ. الرحالي
الرضواني
الغرض الشعري :
الماهية والتجلي
جرى
في عرف التداول عد الغرض الشعري، في أبسط تعريف، ضربا من أضرب التعبير عن الإحساس
بآثار الرغبة والرهبة، تدعو إليه شروط الحياة الاجتماعية ومتطلبات الواقع الحضاري
العام بما يفرضانه من أنواع العلاقات وأضرب السلوك، وبما يحتمانه من أنماط العيش،
وطرق ضمان وسائل هذا العيش وتحقيقه داخل تجمع بشري معين في لحظة تاريخية معينة.
والغرض الشعري بحكم تعبيريته واختزاليته يمثل رؤية عامة للعالم ؛ رؤية تختزل الوعي
بواقع الأشياء، أو هي على الأقل تختزل الإحساس الموهم بإدراك هذه الأشياء. كما
يمثل أداة طائعة تعكس تجليات الحياة العامة، فتراه ينمو بنموها ويتعدد بتعددها على
نحو ما يخبو بخبوها، وينكمش وينحصر بانكماشها وانحصارها.
وفي
ضوء هذا الفهم للطبيعة التعبيرية، والقدرة الاختزالية والتمثيلية التي يمتاز بها
الغرض الشعري بشكل عام، يمكن تقصيه ومعالجته في التراث الإبداعي العربي القديم
عموما.
الخميس، 9 أكتوبر 2014
الاتساق القرآني في سورة "ق"
1-الاتساق
القرآني: سؤال النشأة والتطور
الاتساق
ميزة جمالية تضمن للخطاب تعادل الأجزاء وتوازيها وروعة التأليف وبراعة النظم وتفضي
به إلى الاستحسان من لدن المتلقي ، كما
أنها تكلأه بالمقابل من أن تمجه الأذن وتغشي منه النفس وينفرمنه الطبع .وقد أدرك
الشعراء والنقاد مند القدم القيم الجمالية
للتناسق الفني والمعنوي ،خاصة وأن الشعر العربي هو شعر تواز بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، نظرا لتأسيس بعض على بعض
،فعابو على بعض من قد أخلو بها اخلالهم ، وأبرزوا مواطن النقص في قولهم ، بل طعنوا
أحيانا في شاعريتهم . أما فيما يخص الدرس القرآني ،فقد تفطن كثير من الصحابة ومنذ
المراحل الأولى من حياة الدعوة ،الى بعض أشكال التناسق في القران الكريم بوازع من
استفسار بعض المسلمين عن السر في وجود هذه الآية بجوار هذه ، وعن طبيعة النظم
والتناسق المعنوي بين أية وأخرى في سياق السورة الواحدة .ومع اتساع دائرة الفتوحات الإسلامية وتنامي سيادة الأمة مرق بعض
الطاعنين في سلامة النظم القراني فنعتوه بتنابد الأوصال وتناجز الأجزاء وتباين الوحدات
الدلالية ، وأدعو انه ليس سوى أضغات قد حشرت حشرا ، الأمر الذي حفز العلماء
المسلمين وحظهم ، ومنذ وقت مبكر من تاريخ
البحث القراني ، على الدرس والتقصي
للرد أولي الزيغ والمرية . غير ان
فكرة الاتساق في القران لم تبرز بشكل ناضج ومتخصص إلا في بداية القرن الهجري
الرابع مع الإمام أبي بكر النيسابوري (ــ
324هــ ) الذي يعد أول من عكف على البحث في هذه القضية على نحو من التخصص .
الخميس، 9 يناير 2014
تعريفات أولية للبلاغة
خلافا لكلمة نقد، عرف مصطلح البلاغة عند العرب عدة تعريفات، وهي تعريفات
تعود إلى لحظات متقدمة في نشأة الثقافة العربية الإسلامية، وتميزت بتحديدها
"للبلاغة" باعتبارها خطابا لغويا جماليا يتصف بجملة خصائص أسلوبية وتعبيرية،
ومميزات فنية وتركيبة، كما اتسمت بتركيزها على جانب من جوانب ذلك الخطاب، بهم
الأسلوب التعبيري عامة، أو مكون من مكوناته الصوتية والدلالية، أو خاصية من خصائصه
الأسلوبية والإيحائية، دون أن يعني ذلك أن تركيزهم ذاك يحصر بلاغة الخطاب في
المستوى المتحدث عنه، لأن البلاغة في التصور العربي القديم، سواء في لحظات النشأة
والتشكل، أو في لحظات النضج والتطور كانت في تصور العرب صفة للخطاب الجمالي في
كليته، وليس باعتبار جزء من أجزائه أو مكون صغير من مكوناته. ولئن كانت لحظات
النضج تبرز ذلك، فإن مما يدعمه ويؤكده اتسام لحظة تبلور الوعي بقيمة البلاغة
ومميزاتها، ببداية نشأة المصطلحات وتشكلها، ولذلك جاءت كثير من المفاهيم معبرا
عنها بمصطلحات وألفاظ متداخلة لغويا وغير ناضجة ومستقرة اصطلاحيا، وهو امر استمر
حتى حدود بدايات القرن الرابع للهجرة، فكانت البلاغة عامة يقصد بها البيان، كما هو
الحال مع الجاحظ، ويشار إليها بالبديع، كما هو الشأن لدى ابن المعتز، كما كان
اللفظ يستعمل أحيانا بمعنى الكلمة، وكان المعنى يراد به الصورة الفنية المرتسمة في
الذهن.
وبالعودة إلى التعريفات الأولى للبلاغة نلمس بعضا من هذا، من ذلك ما أورده
ابن رشيق القيرواني ( ت 456 هـ) في كتابه: العمدة، بحيث قال:
« سئل النبي صلى الله عليه وسلم:
فيم الجمال؟ فقال: " في اللسان" يريد البيان.
وسئل بعض البلغاء: ما البلاغة؟
فقال: قليل يُفْهَم، وكثير لا يُسْأم.
وقال آخر: البلاغة إجاعة اللفظ ،
وإشباع المعنى.
وسئل آخر فقال: معان كثيرة، في
ألفاظ قليلة.
وقيل لأحدهم: ما البلاغة؟ فقال:
إصابة المعنى وحُسْنُ الإيجاز.
وقال خلف الحمر: البلاغة لمحة دالة.
(...) قيل لأرسطاطاليس : ما
البلاغة؟ قال: حسن الاستعارة.»[1]
يتبين من هذه التعريفات أن البلاغة
عرفت تحديدات متعددة عند العرب قديما، ولم يكن الأمر، كما سبق القول، يعود إلى
اضطراب في التعريف، أو خطأ فيه. إذ من المعلوم في تاريخ العلوم أن اختلاف التعريفات
وتباينها للموضوع الواحد ليس ناتجا عن الخطأ وغياب الضبط والتدقيق، ولكنه يعود إلى
اختلاف زوايا النظر إلى ذلك الموضوع، وأحيانا إلى صعوبة ضبطه وتحديده لكونه يستعصي
على كل محاولة للضبط والتحديد.
ويبدو أنه إذا تم النظر على هذا
الأساس لمختلف تعريفات البلاغة كما أوردها العمدة فسيتبين أن الرسول (ص) ركز في تحديده للخصائص
التعبيرية التي تميز الخطاب اللغوي على البيان باعتباره صفة بديعية للأسلوب تتحقق نتيجة رقيه
التعبيري ورفعته اللغوية، ومن ثمة فهو قدرة على الارتقاء بالكلام إلى درجة عالية
من الجمال التعبيري. ويبدو أن ما أجمله (ص) في حديثه قد فصلته
الأقوال اللاحقة، بحيث أبرزت أن البلاغة شقان: دلالي تصوري؛ وتعبيري تلفظي. فالأول
يرتبط بالمعنى وما ينطوي عليه من افكار وصور، والثاني يتصل بطرائق التعبير عن هذا
المعنى.
وعليه، فالقول بأن «البلاغة قليل
يُفْهَم، وكثير لا يُسْأم» معناه أنها خطاب صادر عن ذات معينة تتوجه به إلى ذات
أخرى، يحمل مضامين معينة ويروم إبلاغها بوضوح ودون ملل، ويروم هذا الخطاب تحقيق
التفاعل بين الذاتين والتجاوب النفسي والذهني بينهما، سواء كان طويلا أو كان
مقتضبا.
أما القول إن «البلاغة إجاعة اللفظ
، وإشباع المعنى» فيتصل بجانب آخر من بنية الخطاب ومضمونه يهم التكثيف
والتركيز المحقق للثراء الدلالي والإيحائي بما لا ينعكس سلبا على بنية العبارة
ومقدارها التلفظي. ولئن كان هذا التعريف يعني أن البلاغة خطاب مختصر وموجز ينطوي
على عدد هائل من الدلالات والتعبيرات والإيحاءات الفنية والجمالية، فإنه يشي بأن
الحديث عن البلاغة لا ينفصل عن تناول المستويين التلفظي والدلالي للخطاب اللغوي،
وتحديد الخصائص التعبيرية لكل منهما، وهو ما يتضح من التعريف الموالي الذي يعتبر
صاحبه أن البلاغة تتحقق من خلال إيراد «معان كثيرة، في ألفاظ قليلة» ، كما يتضح
ذلك أيضا من « إصابة المعنى وحُسْنُ الإيجاز » اللذين اعتبرا أساس البلاغة
وجوهرها .
ومما لاشك فيه أن تركيز التعريفات
السابقة على حسن الإيجاز والاقتصاد في اللغة وإيلاء العناية الكبرى للمحتوى
التعبيري والإيحائي مقارنة بالجانب التلفظي كل ذلك يدل دلالة واضحة على أن البلاغة
في تصور أصحاب التعريفات السابقة تحقق بالتلميح وليس بالتصريح، وتنتج عن الإشارة
المقتضبة وليس المفصلة، وذلك لأنها خطاب يقول أشياء دون أن يفصح عنها كليا، ويراهن
على ذكاء المتلقي وحسن فهمه وإعمال ذهنه وخياله لتمثل الصورة المقصودة والمعنى
المستهدف، وهذا ما لخصه خلف الأحمر في تعريفه لها بحث قال: « البلاغة لمحة دالة.»
أما تعريف أرسطو، فإنه يطرح أكثر
من سؤال حول العلاقة أولا بين تصوره للبلاغة والتعريفات السابقة، والعلاقة بينه
وبين أصحاب تلك التعريفات، ومن ثمة مدى صحة هذا التعريف المنسوب إليه، ثم مدى
تأثير تصوراته في التراث النقدي عند العرب، وغير من ذلك من التساؤلات التي تحتاج
إلى وقفة خاصة.
الخميس، 19 أبريل 2012
بحوث ومناظرات - توجيهات منهجية
مدخل أولي: في تحديد
المصطلحات
قبل أن نعرف بعنوان المادة "منهجية البحث"
لابد من الوقوف على مصطلحات المعرفة والعلم والبحث لأن هذه المصطلحات تكون إصدارا
عاما للمادة المنهجية وللكلمتين المكونتين لعنوانها فيكف يمكن التفريق بين المعرفة
والعلم والبحث باعتبار أن هذه المصطلحات كثيرة الاستعجال ففي مجال الثقافة فهل هذه
المصطلحات كثيرة الاستعجال في مجال الثقافة فهل هذه المصطلحات تعني شيئا واحدا أم
تعني الاختلافات يجب معرفته.
1- المعرفة Connaissance:
هي كل ما تجمع لدى الإنسان من
معلومات علمية وتجارب عملية مقصودة وغير مقصودة وبهذا المعنى يمكن التفريق بين
مستويات المعرفة فهي معرفة حسية حين يقتصر أخ الإنسان لها على ما تلتقطه الحواس
بغير قصد كالسمح والبصر واللمس ففي مجال التاريخ نلتقط الأخبار بالسماع ونشاهد
الأحداث بالبصر وهكذا اتصح لدينا معرفة بسيطة حول كل ما نصادفه من ظواهر طبيعية
واجتماعية معرفة فلسفية تبدأ بطرح الإنسان بعض الأسئلة لا يجاد تفسير ما
للظواهر الكونية والعلائق المنظمة لها
ولكن دون أن يقصد إلى ذلك أو يريد الوصول إلى النتائج الحاسمة في آجال محددة ولهذا
قبل أن الفلسفة سابقة عن العلم فهي مرحلة من كسب المعرفة السابقة عن المرحلة
العلمية ومن أمثال ذلك تساؤل الإنسان عن ظاهرة فناء الدول وتطاحن الأمم. معرفة
علمية حين يصير كسبها مقصودا ومنظما فتبدأ بالملاحظة ثم التجربة والدراسة لبلوغ
هدف أول هو الوقوف على الحقيقة الجزئية ثم محاولة استخراج قواعد مفسرة ناظمة لكل
الحقائق الجزئية ثم محاولة استخراج قواعد مفسرة ناظمة لكل الحقائق الجزئية ثم
محاولة تعميمها على تاريخ منطقة أو عصر وحتى على تاريخ البشرية كلها.
2-
العلم Science:
هو دراسة الظواهر الطبيعية
والاجتماعية عن طريق الملاحظة والتجريب أو باتباع منهج محرك وفعال لبلوغ الحقائق
ثم تصنيفها ومحاولة تنسيقها لتعطي قوانين عامة فهو بمعنى آخر المعرفة المنهجية
الهادفة إلى تحديد أسباب وطبيعة الموضوع المدروس ويعرف أيضا بأنه كل الحقائق
والقوانين المكتشفة عن طريق الملاحظة والتجريب أو بمنهج مجدد وفعال وقد يطلق عالم
على من اكتشف تلك الحقائق وتوصل إلى تنميقها ببناء قوانين عامة مفسرة أو على إنسان
استوعب تلك الحقائق والقوانين دون إسهام في اكتشافها. فالعلم في النهاية هو
المعرفة المحصلة عن طريق استعمال المناهج المتعارف عليها في البحث وهو فرع من
المعرفة أي المعرفة المقصودة.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)