1-الاتساق
القرآني: سؤال النشأة والتطور
الاتساق
ميزة جمالية تضمن للخطاب تعادل الأجزاء وتوازيها وروعة التأليف وبراعة النظم وتفضي
به إلى الاستحسان من لدن المتلقي ، كما
أنها تكلأه بالمقابل من أن تمجه الأذن وتغشي منه النفس وينفرمنه الطبع .وقد أدرك
الشعراء والنقاد مند القدم القيم الجمالية
للتناسق الفني والمعنوي ،خاصة وأن الشعر العربي هو شعر تواز بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، نظرا لتأسيس بعض على بعض
،فعابو على بعض من قد أخلو بها اخلالهم ، وأبرزوا مواطن النقص في قولهم ، بل طعنوا
أحيانا في شاعريتهم . أما فيما يخص الدرس القرآني ،فقد تفطن كثير من الصحابة ومنذ
المراحل الأولى من حياة الدعوة ،الى بعض أشكال التناسق في القران الكريم بوازع من
استفسار بعض المسلمين عن السر في وجود هذه الآية بجوار هذه ، وعن طبيعة النظم
والتناسق المعنوي بين أية وأخرى في سياق السورة الواحدة .ومع اتساع دائرة الفتوحات الإسلامية وتنامي سيادة الأمة مرق بعض
الطاعنين في سلامة النظم القراني فنعتوه بتنابد الأوصال وتناجز الأجزاء وتباين الوحدات
الدلالية ، وأدعو انه ليس سوى أضغات قد حشرت حشرا ، الأمر الذي حفز العلماء
المسلمين وحظهم ، ومنذ وقت مبكر من تاريخ
البحث القراني ، على الدرس والتقصي
للرد أولي الزيغ والمرية . غير ان
فكرة الاتساق في القران لم تبرز بشكل ناضج ومتخصص إلا في بداية القرن الهجري
الرابع مع الإمام أبي بكر النيسابوري (ــ
324هــ ) الذي يعد أول من عكف على البحث في هذه القضية على نحو من التخصص .
فعنه يقول أبو الحسن الشهراباني : « أول من أظهر ـــ
ببغداد ـــ علم المناسبة ولم نكن سمعناه من غيره، هو الشيخ أبو بكر النيسابوري،
وكان غزير العلم في الشريعة والأدب ، وكان يقول على الكرسي إذا قرئت عليه لم جعلت
هذه الآية إلى جنب هذه ؟ وما الحكمة في جعل هذه السورة إلى جنب هذه ؟ وكان يزري على
علماء بغداد لعدم علمهم بالمناسبة (1) .
وتحمس للفكرة بعد الإمام النيسابوري
كثير من العلماء منهم أبو بكر البا قلاني (ــ403 هــ) في كتابه إعجاز القران ،
والزمخشري ( ـــ 538 هــ ) في الكشاف ، والإمام أبو بكر بن العربي (ــ543 هـ)
في كتابه سراج المريدين. أما الفخر
الرازي ــ606 هــ) فقد بنى تفسيره على علم المناسبة . يقول الفخر الرازي موضحا
أهمية هذا العلم :" أكثر لطائف
القران مودعة في الترتيبات والروابط (2)."
وممن عني كثيرا كذلك بعلم المناسبة في
القران الكريم ابن تيمية (ـــ 728هــ) وابن القيم (ــ751هـــ) وبرهان الدين
البقاعي (ـــ885هــ) وغيرهم كثير . وفي
مقابل هؤلاء نجد نفرا من العلماء ينكر وجود التناسق في القران ، ويعتبره ضربا من التحمل
والكلفة ، ومن هؤلاء العز بن عبد السلام (ــ660 هــ) الذي يستعبد وجود أي تناسب
بين آي القران نظرا لغياب التناسق بين الفواتح والخواتم ،ونظرا كذلك لتعدد الأحكام والمقاصد في السورة الواحدة .
يقول قائلا بصدد هذا :" المناسبة علم حسن، لكن يشترط في حسن ارتباط الكلام
أنه يقع في امر متحد مرتبط أوله باخره ،فإن وقع على أسباب مختلفة لم يقع فيه
ارتباط ،ومن ربط ذلك فهو متكلف بما لا يقدر عليه ألا ربط ركيك يصان عن مثله حسن
الحديث ،فضلا عن احسنه .فإن القران نزل في نيف وعشرين سنة أحكام مختلفة ،شرعت
لأسباب مختلفة ، وما كان كذلك لا يتأتى
ربط بعضه ببعض (3)."
وإذا كان العز بن عبد السلام قد شكك ــ دون قصد منه ــفي
توافر الوحدة التناسقـية بين آي القران لما أبرزه من علل في قوله هذا، فقد حاول
المستشرقون الباحثون في علوم القران انطلاقا من نفس هذه القضية الطعن في أساليبه
الإعجازية ،ونخص بالذكر ها هنا القس داوود الذي يقول في مقدمة ترجمته الانجليزية
للقران "يبدو ان زيدا وزملاءه لم يرتبوا ما وقع تحت أيديهم طبقا لأي قاعدة سوى أن وضعوا السورة الطويلة والمعروفة جيدا أولا
بعد الفاتحة مباشرة وحتى هذه الطريقة ـــ مع خطئها وبعدها عن الطريقة العلمية ـــ
لم تتبع بإتقان (4)."
وثمة مستشرقون آخرون حدو نفس الحدو ، وتحركو في نفس الدائرة
،كالمستشرق الفرنسي بلاشير والمستشرق داود ا لذي أعاد ترتيب القران على نحو من
الغرابة في ترجمته الإنجليزية حتى يستقيم فهمه وتتوحد جميع أجزائه حسب ادعائه .غير
أن هذا الازدراء بالنسق الراني وهذا التشكيك في تجلياته الإعجازية لم يكن ليقلل من
أهمية أو يحد من تنامي البحث فيه ،بل إنه ظل مع مرور الزمن وتراكم التجا رب في نمو
واطراد إلى أن جاء الإمام محمد عبده ،أحد أبرز رواد هذا العلم في العصر الحديث
،فمعه خرج البحث في النسق القرآني أو الوحدة الموضوعية .كما يسهبها إلى حيز
الممارسة العلمية المتخصصة التي لم تعد
تكثرت بتحرج بعض الفقهاء أو معارضة البعض الأخر .ففي تفسيره المنار اعتر
الوحدة الموضوعية /التناسق القراني أصلا
من الاصول الضرورية في فهم القران . وتعسف نفس درب الامام محمد عبده مجموعة من
العلماء فبنو تفسيراتهم ودراساتهم على الوحدة الموضوعية /التناسق القراني ،ومنهم
على الخصوص الشيخ عب المتعال الصعيدي في مؤلفه "النظم الفني في القران
"، والشيخ عبد الله دارز في مؤلفه "النبأ العظيم " والأستاذ الشهيد سيد قطب في "ظلال القران "
وغير هؤلاء كثير .
هذه هي وبإيجاز كبير أهم المراحل التي مر
بها هذا العلم منذ أن كان بدرة جنينية
إلى أن بلغ رشده واستوى عوده وقننت أصوله
وقعدت قواعده . أما في الفترة المعاصرة ومع
التطور الذي عرفه الحقل المعرفي . وخاصة في مجال العلوم الإنسانية والأدبية، نما
كثير من فروع المعرفة اللغوية. الأمر الذي حفز العديد من الدارسين على البحث من
خلالها ووفق زوايا نظرها في الخطاب القرآني
. فمن باحث في الصورة الفنية إلى باحث في البنية الإيقاعية ... إلى غير ذلك
من الباحث التي أثيرت وتثار لجدارتها بالدرس والمعلجة .
ويرجع اتساق القران إلى معنى رابط بين
آياته وموحد بين أجزائه .ويكون هذا المعنى إما خاصا وإما عاما كما يكون إما عقليا
أو حسيا أو خياليا ... أو غير ذلك من أنماط التآلف والتلازم المعنوي .واتساق
الآيات بعضها ببعض أيضا يكون إما ظاهرا
لتعلق الكلام ببعضه وعدم تمامه بالآية الأولى أو لكون الآية الثانية تنزل من الاية
الأولى منزلة التأكيد أو التفسير أو الاعتراض أو البدل أو الصلة أو الشرط ...وإما
مضمرا لمجيء كل جملة في وضع مستقل عن الأخرى .وهي في هذه الحال إما معطوفة عليها
بحرف من حروف العطف المفيدة للاشتراك في
الحكم أو غير معطوفة .
وستعمل هذه المحاولة على الوقوغ عند جميع
أساليب التناسق المتوافرة بالنموذج المزمع دراسته وهو سورة "ق" وكان
بالإمكان معالجة اطول صورة قرانية " البقرة " نظرا لتعدد قضاياها
ومضامينها ،ولكن وأمام خصوصية المقام ،وكون كل سورة قرانية مهما تعددت أحكامها
ومقاصدها لا تعدو ان تكون كلاما واحدا يأخد بعضه بأعناق البعض
وينأى بذلك عن أن يكون أوزاعا متنابدة ،بوازع من كل هذا قررنا الوقوف عند
سورة "ق" للمناسبتها للمقام .
2- الاتساق المعنوي:
2ــ 1 ــ العنوان :
لا أحد يمارى في الأهمية التي يحظى بها
العنوان في مجال الدراسات الأدبية المعاصرة ،ولا أحد يقلل من القيم والأبعاد
الدلالية والجمالية التي يتمتع بها ، فهو عنصر أساس من بنية النص الكلية ،به تكتمل
هذه البنية ودونه تظل مجهولة الهوية وخرومة الأوصال .فمن العنوان يمكن للنص أن
يضمن الإقبال عليه أو يمنى بالإدبار عنه
،ثم هو " يقدم لنا معونة كبرى لضبط انسجام النص ، وفهم ما غمض منه ،حتى غدا ،
هو المحور الذي يتوالد ويتنامى ، ويعيد إنتاج نفسه ، وهو الذي يحدد هوية القصيدة
(وأي نص آخر ) فهو إن صحت المشابهة بمثابة
الرأس من الجسد والأساس الذي تبنى عليه (5)."
فالنص وعنوانه إذن قطبان متلازمان بينهما أمراس
معنوية وفنية قوية ومتشابكة تجعل من العنوان نصا بالإيجاز وتكثيف الدلالات
.وعلى ضوء هذا التحديد الموجز للوظيفة العامة للعنوان يمكن التعامل مع العنوان في
القران الكريم .ومن المعلوم سلفا أن العنوان في القران أمر توفيقي من عند الله
وليس مسألة تواضعية اصطلح عليها
المسلمون أو بعضهم ابتغاء
تيسير سبل الاستقراء والتداول أو تحقيق مآرب الأنفس . ومن ثم فالعنوان لصيق
بالسورة توفيقا وداخل في أصولها الدلالية ونابع من صلبها الخاص .وهو متنوع بتنوع
مضامين القران وأحكامه وأهدافه .فمنه (6) ما جاء اسم علم مفرد " مريم ، يونس ،هود ، يوسف،
النمل، الإنسان "... ومنه ما جاء
مركبا إضافيا "آل عمران وأخيرا منه ما جاء حرفا مستقلا أو حرفين أو مجموعة
حروف مثل " ق" " يس "
الم كهـيعص " ... وتشترك جميعها في
عدم إحالتها على مدلول محدد في أصل اللغة
؟ . وإذا كان معنى النوعين الأولين مع
العنوان القرآني معلوما بحكم دلالتهما على
معين؛ فإ، النوع الثالث على النقيض من ذلك تماما نظرا لانتقا ء الدلالة على ؛
وانتقاء الدلالة هذا جعل العلماء يتوزعون أوزاعا شتى وتتعشب بهم سبل البحث
والتأويل تبعا لتشعب مذاهبهم وقناعاتهم،
فمن قائل إنما أفتتحت بعض السور بهذه الحروف/ العناوين ـــ نثبت آراء
العلماء هنا لأن عناوين هذه السور هي فواتحها ــ بيانا لإعجاز القرآن و أسلوبا من أساليب إفحام
العرب. و من قائل إن هذه الحروف من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله، و من
قائل إنها ذليل على حسن البيان و بلاغة التعبير؛ غايتها تنبيه المتلقي جاريا على
عادة العرب في استعمالها لهذا التنبيه و أدوات الإستفتاح ... إلى غير ذلك من
الآراء الأخرى الكثيرة. و كل هذه الآراء لا تشفي غليل الدارس حين يقوم باستقرائها.
و لا تقضي مأربته التي من أجلها تيمم شطر البحث، و إنما يخرج كما دخل. و نحن لا
يهمنا مدلول هذه الحروف في حد ذاتها، و إنما وجه الحاجة عندنا هاهنا هو إبراز ما
بين مدلول هذه الحروف و ما بين مضامين سورها من علاقة تناسقية.
وعنـدنا أن هذه الحروف/ العناوين ليست
حروفا مقطعة عديمة الدلالة، و إنما هي ألفاظ كاملة الشخصية الدلالية لها حمولة
معنوية واضحة في أصل اللغة. و عمدتنا في هذا الضرب من الفهم أن القرآن نزل بلسان
عربي مبين (7) و البيان و التبيين معناه الإفصاح و وضوح الدلالة. و القرآن الكريم
معجز لا بما غمض منه و استعصاه ـــ حسب ما يريد البعض إثباته ـــ و إنما هو معجز
بما هو مفهوم و متداول بين العرب، و عييت مواهبهم، و انحسرت قرائحهم، و هم أهل
البلاغة و البيان، عن أن تأتي بآية من مثله.
و التاريخ لا يحفظ لنا ما إذا كان
المشركون في عز نكرانهم قد نعثوا القرآن بغموض الدلالة و بالإستعصاء عن الفهم، و إن
أخذتهم العزة بالإثم. و إنما شهدوا له على لسان أشهر بيانيهم، الوليد ابن المغيرة،
بجودة النظم، و براعة البيان، و روعة الجمال و إن شطوا في النكران. يقول ابن
المغيرة في صدد هذا." ... و الله إن
له لحلاوة، و إن عليه لطلاوة، و إنه لمنير أعلاه، مشرق أسفله، و إنه ليعلوا، و لا
يعلى، و إنه ليحطم ما تحته (8). "
و في ضوء هذه القناعة سننظر في سورة
"ق" موضوع تحليلنا و سنعمل على كشف طبيعة التناسق الحاصل بين العنوان و
بين موضوع السورة.
2 -2 ــــ وحدة النسق القائمة بين
العنوان و الموضوع:
بالرجوع إلى بعض المظان اللغوية ابتغاء
تحديد الدلالة العامة للفظ العنوان "ق" نقف في لسان العرب مادة "قوف" على ما يلي: " ... أخذت
بقوف رقبته، وقاف رقبته، وصوف رقبته، معناه أن يأخذ برقبته جمعاء، و قيل يأخذ
برقبته فيعصرها ...." و في اللسان أيضا . " ... أخطت بقوف رقبته، و صوف
رقبته، أي أخذته كله (9)." و مجمل الدلالة في هاذين التحديدين اللغويين هو
القبض على الإنسان و الإمساك به ببالغ القوة و بمتنهى الشدة، حتى حد الإعتصار و
الإحتواء الكلي، و من مكان لا يدع أي فرصة للإنفلات أو التملص؛ إنه إمساك من القفا
/ القاف، بل من شعيرات القفا / القاف القوية الإيلام و البالغة الوخز حين الجذب.
أخذ من مكان ينعدم معه الحراك، و ينتفي معه كل شكل من أشكال الراحة و الإسترخاء و
التسيب الحركي. إذن فما وجه العلاقة بين دلالة العنوان هذه و بين المقصد العام في
السورة في كل تجلياته؟
بقراءة بسيطة في مضمون السورة تتشكل من
حوالينا صورة رهيبة شديدة الوقع بالغة الإيقاع، محورها الإنسان وقد شد من تلابيبه
شدا قويا من لدن من هو أشد و أعز. تراه و قد تعقبته الرقابة الإلاهية تعقبا
شديدافي مستقره و مسعاه، في هجعته و يقظته، في يومه و ليلته على نحو لا ينكل و لا
ينتفر؛ مراقب رقابة شاملة رهيبة صرخة و من الوضع إلى أنة النزع، أنفاسه معدودات و
وساويس قلبه معلومات، لا يغرب عن الرقابة الإلهية لحظة و لا ينفلت من القبضة
الإلهية اليقضة برهة. "قد علمنا ما تنقص الأرض منهم و عندنا كتاب حفيظ
"، " و لقد خلقنا الإنسان و نعلم
ما توسوس به نفسه و نحن أقرب إليه من حبل الوريد" ، " ما يلفظ من
قول إلا لديه قريب عتيد" . و لآن، أليست دلالة مضمون السورة هي نفس دلالة
عنوانها دون أدنى اختلاف أو تمايز؟ أليس هذا منتهى التناسق و التناظم، و التناغم
بين النص و عنوانه بشكل ترى فيه، و بالضرورة، الواحد من خلال الآخر، بل بشكل تقر
معه بأن الإثنين ليسا سوى جوهر فرد يتأبى التجزيىء؟.
2-3 ـــ الاتساق الموضوعي:
بالنظر في هذه السورة تبدو مضمونا واحدا
ظل ينمو و يتوالد عبر كل محطاتها حتى بلغ أشده، و اتنهى إلى كماله الطبيعي و
الضروري على النحو الذي اقتضه المشيئة الإلهية في إطار الرد على المشركين ، وتفنيد
تصوراتهم المعوجة وتسفيه معتقداتهم المنحرفة .ويمكن النظر في هذا المضمون الأوحد
للسورة من خلال محطات ثلاثة مثلت مراحل
نموه وفترات تشكله .وهذه المحطات لا تعدو ان تكون وحدة تتأبى عن أي تجزيء وتتمنع
عن أي تعدد ، وحدة تنتظمها قضية البعث إحدى القواعد الأساس في أصول العقيدة
الإسلامية :
-
دعوة منكري
البعث والبعثة إلى التفكر في الوجود
-
قوة الرقابة المتعبقة لابن اَ دم
-
ذكر البعث ثانية مع تفصيل أحواله ومؤكداته .
- تبتدئ
السورة بالإشارة إلى القضية المحورية المتمثلة في إنكار المشركين لبعثة رسول منهم
أنيطت به مهمة إندارهم بماَ لهم وطبيعة هذا الماَل .خاصة وقد تنكروا له (البعث)
ولحدوته وانتباهم العجب في أمره وهزتهم
ريح التعنت وأخدتهم العزة بالإثم، وقالة كيف تحيي العظام وقد أضحت رميما يذرى !؟ ونسوا أو تناسو أن كل أولئكم في كتاب محفوظ عند
علام الغيوب . وبعد هذه المقدمة وهذا التعنت لم يأت رد القران من باب السجال
الذهني المجرد الذي تظل معه المحاجة أقل إفحاما
وأضعف إقناعا، ولكن أتى دعوة إلى التمعن في ملكوت الكون والنظر في براعة
الخلق وقوة الإحكام لمظاهر هذا الكون ، وزينة الجمال المبرأة من الخلل والتفاوت
ليبصروا ،إن كل لهم بصر ، بالعين الجارحة
أن ما أنكروه إما قائم أمام ناظريهم إلى السماء ... كذلك الخروج ".
أليس من قد لأتى عليه البلى بقادر على البعث وإعادة الحياة الحياة إلى من قد أتى
عليه البلى ـــ وقفى عليه الفناء .ولا تكثرت يا محمد فليسوا هم أول من أنكر
البعثة واستعبد حدوث البعث. بل لقد زعم
مثل زعمهم هذا أمم وعشائر من ذي قبل ، وادعوا علينا عدم القدرة على البعث ، وكأننا لم نخلق الإنسان أول مرة مع أننا خلقناه ونعلم ما توسوس به نفسه ،ونحن
أقرب إليه من حبل الوريد ، ووكلنا به ملكين أحدهما منه على اليمين والآخر منه على
الشمال ، يسجلان حسناته وسيئاته ، ولا تفوتهما صغيرة ولا كبيرة مما اجترح ليلا أو
نهارا .وهما له ملازمان بقوة من يوم بزوغ نجمه على هذه الأرض حتى يوم أفوله ؛ هذا
الأفول الذي يروع منه الإنسان ، وينجو بنفسه لأنه يوم لأنه يوم ترى فيه هذه النفس ، حين تعتصرهما
سكرات الموت ، الحق واضحا ليس من دونه حجاب على نحو ماستراه يوم ينفخ في الصور
ويساق الإنسان للمحاسبة بين يدي القوي
العزيز .يساق وبمعيته "سائق وشهيد " فتبسط أعماله بين ناظريه ويذكره بما
تغافل أو أنكر شهيد قد أعد كل ذلك وهيأه " وقال قرينه هذا ما لدي عتيد "
ثم ، بعد ذلك، يأتي الأمر الإلهي للملكين أن ألقيا في جهنم كل من تجبر وطغى، وكذب
بلاَلاء ربه ، وأشرك به ألقياه في أشد العذاب. إنه مشهد عصيب تبلغ فيه القلوب
الحناجر من فظاعة الهول. مشهد أفزع القرين ـــ القرين هو الشيطان على الأرجح ـــ
وروعه فأبعد التهمة عن نفسه إغوائه وقال إنه اَثر الضلالة على الهدى بنفسه. فيكون
الرد الإلهي أن ليس هنا مكان الخصام والجدال، لقد أنذرتكم هذا فلم تتعضوا فحق
عليكم العذاب، ولا يظلم أحد عندي فتيلا. وأمام هذا الوضع الرهيب يسأل تعالى جهنم هل امتلأت فتتلمظ في جشع، وتطلب المزيد.
وفي مقابل هذا المشهد هناك مشهد اَخر كله وداعة وألفة وجمال ؛ إنه مشهد الجنة التي
وعد الله بها المؤمنين فلهم فيها الخلود ولهم فيها ما تشتهي الأنفس وتستلذ
وزيادة" لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد ."
بعد
هذا سجلت السورة عودا على بدء لا على وثيرة التكرار والهلهلة ولكن على وثيرة قوة الاتساق والتآلف البديع بين البدء
والختام فما كان مجملا في البداية فصل في النهاية، وما كان عاما خصص وذلك منتهى الانسجام والاتساق .فإنكار
البعث ذكر في المحطة الأولى وأعيد ذكره في هذه المحطة الثانية غير أن في الإعادة حكما
وزيادة إفادة .فمن أنكروا البعث على غرار ما فعل مشركو قريش لا تعرفهم سوى بالاسم/
وفي ذكرهم ثانية تفصيل لأحوالهم ابتغاء الترهيب والموعظة "إن في ذلك لذكرى
لمن ألقى السمع وهو شهيد " فهم بإنكارهم استحقوا الهلاك والبوار برغم قوة
بطشهم التي لا حول لمشركي قريش بها .وحمت عليهم الأقدار وبحثوا عن أسباب التجاة ولكن هيهات أن ينفلتوا
من قبضة القوي العزيز. وخلق السموات والأرض المذكور في البدء لا نعرف كم استغرق من
آماد وآجال، وفي هذه المحطة الثالثة تفصيل لذلك. لقد تم " في ستتة أيام
" وفيها إشارة إلى أنه لم يكلف جهدا
على خلاف ما ادعت اليهود " وما مسنا من لغوب"ودعوة إلى تثبيت قلب النبي
" فاصبر على مايقولون ". وفي السابق ذكر البعث وأعيد ذكره ثانية زيادة
في تأكيد يسره على الله: ذلك حشر علينا يسير: ومعه تحديد ليوم وقوعه " يوم
ينادي المنادي من مكان قريب " ومعه أيضا كيفية حصوله " يوم تشقق الأرض
عنهم سراعا ". وتتوجه السورة أخيرا إلى
الرسول (ص) وتدعوه ــ وهو لا يملك قوة على إرغام أحد على الإيمان ــ و إلى
تذكير من أنكر البعث والبعثة بالقران لأنه يهز القلوب هزا بما فيه من حقائق .
بعد هذه
القراءة البسيطة في مضمون السورة تشكلت من حوالينا لوحة فنية متجانسة الظلال
والألوان ليس فيها غائب فتنعت بالنقص، ولا فيها غلبة على مغلوب فتوسم بالإرباك
والشطط، ولا فيها زائد محشو لا يطلبه سياق أحداثها فترمى بالإطناب وسوء النظم،
ولكن فيها مقصدا واحدا لا يتجزأ؛ مقصدا متاَلف الألحان متناسق النغمات ، أتت
كلماته متعانقة لا مرسلة بددا، ومتناظمة لا طرائق قددا.
3-الاتساق
الفني
3-1ــالفصل والوصل وأساليب تحققهما :
الفصل
والوصل منزع بياني رقيق المسلك عميق الدلالة .يتعذر تصور قيام أمام فرض غيابه، فبه
تنال النصوص فرادتها، وتؤكد خصوصية ماهيتها بحسب الاعتماد عليه وسبل تشغيله.وبما إن
النص يحتل حيزا في الزمان والمكان فور التلفظ به، وينتقل تدريجيا من البساطة إلى
التركيب فإ، تدبره وتقصيه فكريا لا يتمان
إلا من خلال تنظيمه وترتيبه على نحو قسري لا محيد عنه. وقد ادرك النقد القديم
أهمية هذا المسلك فخصه بالعناية، وعمل على جلو الوظائف البلاغية الناطة به ؛يقول
عبد القاهر الجرجاني بصدد هذا:" اعلم أن المعاني بما ينبغي أن يصنع في الجمل
من عطف بعضها على بعض أو ترك العطف فيها، والمجيء بها منثورة تستأنف واحدة منها
بعد الأخرى من أسرار البلاغة، ومما لا يتأتى لتمام الصواب فيه إلا الإعراب
الخلص"(10). فهو دليل على سمو التعبير وجمالية النظم؛ يفجر دفقات الأدبية بين
ثنايا النص، ويهبه دفء النكتة الفنية التي تتطلب سلامة الذوق ودقة الإحساس لفتق
رتقها، وفتك أصدافها. ويمكن حصر أنماط الربط الواردة في سورة "ق" في
قسمين أساسيين :
-الربط
المباشر : وهو ما انعدمت فيه الروابط (حروف العطف) وكانت فيه الجمل الثواني بيانا
للجمل الأول على جهة التفسير والتأكيد والتحقيق فتكون " حالها مع التي قبلها
حال الموصوف، والتأكيد مع المؤكد فلا يكون فيها العطف البتة لشبه العطف فيها لو
عطفت بعطف الشيء على نفسه "(11).
ومن
نماذج هذا الضرب من الربط قوله تعالى
" والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبثنا فيها من كل زوج بهيج تبصرة
وذكرى لكل عبد منيب" وكذلك قوله تعالى ." فالجملتان اللتان ختمتا هذه
الآيات "تبصرة وذكرى لكل عبد منيب "ورزقا للعباد " استئنافيتان لم
ترتبطا بما سبقهما بأداة نظرا لقوة الترابط بينهما وبين هذا السابق ؛ فهما منه منه
بمنزلة التعليل وبيان الغاية؛إذ جاءتا على صيغة جواب لسؤال مضمر اقتضاه سياق
التواصل ومساطر الفهم ،نقدره على النحو التالي:
لماذا
مدت الأرض وألقيت بها الرواسي واهتزت بكل أزواج النبت البهيج ؟ فيكون الجواب (
تبصرة )وذكرى ليعتبر المعتبر ويتعظ المتعظ، وييقن أن من خلق كل هذا على عظمته لا
يرهقه حشر الإنسان .
ولماذا
نزول الغيث وينوع الجنات ووفرة الخيرات ؟ والجواب : لتكون (رزقا للعباد) لعلهم
يستشعرون نعن الله عليهم .
ومن نماذج
الربط المباشر بهذه السورة أيضا هذه الآيات:" الذي جعل مع الله إلها آخر
فألقياه في العذاب الشديد " قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد." وقوله تعالى :"قال لا تختصموا لدي وقد قدمت
إليكم بالوعيد. " فالآيات." قال قرينه ثم " قال لا تختصموا لدي
..." في اصطلاح علماء النحو جمل
استئنافية كسابقاتها ،لتوسط فعل
الكلام وتجرده من حرف العطف،ومن ثم فهي غير ذات محل إعرابي لتعذر وقوعها لتعذر
وقوعها موقع المفرد.ويخفي الإنقطاع الظاهر بين هذه الأيات اتصالا وطيدا ،وتلاحقا
شديدا لا يجرؤ على هتك حجبه إلا سياق العملية التواصلية في هذه السورة ؛ فتصير
بذلك الايتان جوابا عن سؤال تقديره لازم لبلوغ الشأن: ماذا قال قرينه ؟" قال
قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في ظلال بعيد. "وماذا قال تعالى حيت تبرأ
القرين (الشيطان ) من قرينه (الكافر) ؟" قال لا تختصمو لدي وقد قدمت إليكم
بالوعيد. ناتج عن الأول ولا يمكن أن يتقدم عليه في الحدوث ولا أن يباينه في
السببية ومع ذلك لا نستطيع التكهن بالمدى الزمني الفاصل بينهما .
الفاء: تفيد إلى جانب الإشتراك في الحكم والإعراب ،معنى
الترتيب والتعقيب والسببية .والأحداث المعنوية التي تصل بينهما هذه الفاء يلي
الأول فيها الثاني على نحو تتقلص فيه الفسحة الزمنية الفاصلة بينهما على خلاف ما
تصل بينه الواو . ومن الشواهد على الربط بالفاء في هذه السورة قوله تعالى ." بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب. " فالمدى الزمني الفاصل به حصره ،لأن المتعجب
الساخر ، وخاصة في مثل هذا الموقف الصراعي ،لن يتوانى في إعلان هشاشة مواقف الخصم
وحقارتها لصد الأنظار عنها وسوقها مع قبيلة ووفقا لعقيدته.والرتبة فيما ترتبط بينه هذه الفاء
ملزمة نظرا لاقترانها بمعنى السببية كما في قوله تعالى." ونزلنا من السماء
ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد. " فنزول الغيث يسبق قسرا اهتزاز النبت لأنه علة وجوده والعلة سابقة
على المعلول حتما.
بل تفيد
الإظراب والعدول عن شيء إلى اَخر . ولا يعطف بها شريطة أن يكون معطوفها مفردا غير
جملة (12) . فهي بذلك تلحم أوصال النص
وتؤلف بين مقاطعه . ولا يتاتى فهم وظيفة وقيمة المعدول إليه دون استحضار العلاقة
الترابطية التي أسستها الأداة "بل " بينه وبين المعدول عنه ، وكذلك دون
معرفة طبيعة حكم هذا الأخير . وشاهدها في هذه السورة قوله تعالى:" أفعيينا
بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد" توثيق الآيات
لقد
انتهت بنا "بل "انطلاقا من هذه العلاقة الإضرابية العدولية إلى أحضان
المحور المركز في هذه السورة الذي هو النفي والإثبات إذ عملت على بلورة
تجلياته ، وتقوية أهدافه، وتفسير طبيعة ردود الفعل التي كان ينتهي إليها
موقف المشركين .
أو:رابط
لغوي من معانيه الإباحة والتخيير والشك والإبهام والتقييم ...فإلى جانب العطف يكتسي
هذا الرابط قوة دلالية يخلعها عليه سياق اشتغاله مما يعمق وظيفة الربط بين أجزاء
الخطاب كإفادته زيادة على العطف معنى التخيير كما في قوله تعالى :" إن في ذلك
لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد" إن فيما ذكر إهلاك القرى
والأمم السالفة لذكرى لمن نظر بعقله وتدبر،وأصغى إلى الموعظة واعتبر
.فالرابط"أو "بحمولته المعنوية الإضافية المكتسبة من هذا السياق ألف بين
صنفين من الناس هم نقيض من كفر وجحد ؛يمثلون الإيجاب (الإثبات) في ثنائية النفي والإثبات
التي انبنت عليها السورة من أولها إلى آخرها. ويكون الرابط اللغوي" أو "
بهذا قد ساهم من موقعه الدلالي في تعاقب الأحداث على محور الزمان والمكان والأشخاص
.
إن هذه
الروابط جميعها عناصر نكثيف دلالي ألفت بين وحدات اتفقت في القيمة الحكمية
والإعرابية كما هو حال ما ربطت بينه الواو ،أو اتفقت في هذه القيمة مع تقلص في
المدى الزمني كما هوشان ما لمحت بينه الفاء .مثلما ألفت هذه الروابط بين وحدات
اختلفت في هذه القيمة الحكمية الإعرابية على جهة الإضراب أو الاختيار على نحو ما
تم مع : بل :و"أو" وقد تباينت الأدوار الوظيفية لهذه الروابط بحسب
مقتضيات السياق فتباينت بذلك نسب تواثرها في النص ؛ فالواو تكررت سبعا وثلاثين مرة،
والفاء تواثرت أربع مرات ،وبل وأو مرة واحدة .ونظرة سريعة إلى هذه النسب تؤكد
هيمنة الواو على معظم تجليات الشبكة الربطية في هذه السورة. ومرد هذا إلى سيطرة
الأسلوب الإخباري الذي اعتمد الدليل الحسي والتاريخي في تسفية مواقف المكذبين
3 - 2ــ التقابل :
التقابل
أسلوب بلاغي يضمن للمعاني والألفاظ على حد
سواء حسن التوازن وجودة الفصاحة، ويحقق لها روعة المجال ودقة الإبانة الدلالية وينزلها من نفس
المتلقي منزلة الاستحسان والاستعذاب لأن
النفوس في تقارن المتماثلات
وتشافعها،والمتشابهات والمتضادات وما جرى مجراها تحركيا وإيلاعا بالانفعال إلى
مقتضى الكلام ؛ لأن تناصر الحسن في المستحسنين المتماثلين المتشابهين أمكن من
النفس موقعا من سنوخ ذلك لها في شيء واحد.وما كان أملك للنفس وأمكن منها فهو أشد
تحريكا لها. وكذلك أيضا مثول الحسن إزاء القبيح أو القبيح إزاء الحسن مما يزيد غبطة
بالواحد وتخليا عن الآخر لتبين حال الضد بالمثول إزاء ضده . فلذلك كان موقع
المعاني المتقابلات من النفس عجيبا(13).
وبما أن
القران الكريم دعوة إلى الحق ،ودرء لكل
تجليات الباطل فإنه قد وظف كثيرا هذا المنزع البيدعي لما له من فعالية في جلو قيم
الحقائق العامة عن طريق تقابلهاوإضفاء لثم الجمال ،يقول صاحب البرهان في علوم
القران :" إن القران كله وارد على فن المقابلة ،بظهور الحكمة العلمية من
الكائنات والزمانيات والوسائط والروحانيات والأوائل والإلهيات ، حيث اتحدت من حيث
تعددت، واتصلت من حيث انفصلت(14).
وفي
سورة "ق" تقوم البنية التقابلية على ثنائية النفي والإثبات؛(نفي عقيدة
الشرك وإثبات عقيدة التوحيد) وما
يقتضيه ذلك من أدلة حسية وأساليب ترهيبية أو ترغيبية باعتبارها نمطا من أنماط
المحاججة في القران. ونجمل التقابلات المتضمنة في هذه الصورة على النحو التالي
:السماء≠الأرض ، اليمن ≠الشمال ،الجنة≠النار (جهنم) ،السموات≠الأرض ،أحيينا ≠أمتنا،التقوى
≠الضلال ،طلوع الشمس ≠غروب الشمس ،تحيي≠تميت.
من خلال
هذه التقابلات يمكن للقارئ أن يحدد ملامح
المقصد العام لهذه السورة بل يحدد المعنى فيها يعد أي يقيم العلائق
الضرورية بينها ويزيل حجب النكت الفنية. الامر الذي يعكس على نحو من الدقة الوظائف
الأسلوبية لهذا المسلك البياني ؛ فإذا كان موضوع السورة هو إثبات الوحدانية لله
وإقامة الدليل الحسي على حقيقة البعث؛ فإن قراءة بسيطة في هذه التقابلات تؤكد ذلك
أشد تأكيد،فذكر السموات والأرض بزينتهما وإحكام صنعتهما ،وإنزال الماء من السماء
على الأرض الموات ،واهتزازها بكل صنوف النبت (مصدر رزق الخلق) دليل مادي قاطع على
أن من خلق كل هذا على عظمته ،وخلق الإنسان الذي كفر النعم، لكل إنسان بعد ان يكون
قد أخد بأسباب التقوى أو الضلال.
فمحطات
المعنى في هذه السورة تتوالد من خلال هذه التقابلات وتحرز قوة الأثر، واتزان
الفلذات وماكان لها لتبلغ هذا الشأو في حال غيابها .
3
- 3ــالحذف:
الحذف من
الظواهر الأسلوبية الايحائية في اللغة العربية ،يخلع على سياقات اشتغاله لمح
البلاغة ورقة البيان بما يفجره من دلالات خفية لا تناقض على وهن، و لكن بإعمال
الذهن و إجالة الخاطر الذكي، و منه يقول عبد القاهر الجرجاني : " هو باب دقيق
المسلك لطيف المأخذ، عجيب الأمر، و الصمت عن الإفادة، أزيد للإفادة، و تجدك أنطق
ما تكون إذا لم تنطق، و أتم ما تكون بيانا إذا لم تبن (15) إنه نفي فثبات، و إضمار
لإفادة، و إيجاز لإضافة. و من بديع غاياته الجمالية المبالغة و التفخيم، و التناسب
السجعي، و الإجمال و التفصيل ...
و معلوم أن القرآن الكريم قد حفل بهذا المنزع البياني، و
بلغ به أقصى مداه نظرا لما له من إشراقات لطيفة و دلالات ظريفة. و يمكن حصر أشكال
الحذف الواردة في سورة "ق" موضوع التحليل على النحو التالي:
أ- حذف جواب القسم : قال تعالى : " ق و القرآن
المجيد " إن إقامة الأمراس بين هذه الآية و التي تليها من الوجهة اللغوية
تجعلك في غير قرار، وتحثك على البحث عن غائب و تأوله لتقضي أربة النفس. و هذا
الغائب هو جواب القسم الذي تقدره على النحو التالي: اقسم ب ق و القرآن المجيد أن رسالتك يا محمد
حق، و أن البعث حق.
ب- حذف الخبر : إذا كان الخبر الجزء المتم للفائدة فحذف
يحثم تأويله لقيام هذه الفائدة كما في هذه الآية : " إذ يتلقي المتلقيان عن
اليمين و عن الشمال قعيد." و التقدير غدا يتلقى المتلقيان اللذان يكون أحدهما
عن اليمين قعيدا، و الثاني عن الشمال قعيدا. فقد حذف الخبر الأول " قعيدا
" لدلالة الثاني عليه. و هذا الضرب من الحذف من باب ما " يقام مقامه ما
يدل عليه (16) كما يقال القزويني.
ج- حذف الفاعل: لدلالة السياق عليه كما في الآية: "
قال لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد
" و التقدير: قال تعالى: لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد".
د- حذف المفعول به: و هذا الضرب من الحذف الحاجة إليه
أمس ... و اللطائف كأنها فيه أكثر، و ما يظهر بسببه من الحسن و الرونق أعجب و أظهر
(17) " و من شواهده في سورة
"ق" هذه الآية: " إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين و الشمال
قعيد" فما أن ينتهي المرء من قراءة الآية حتى يسادره السؤال. ماذا يتلقى
المتلقيان؟ فيكون الجواب: يتلقى المتلقيان الموكول لهما أمر العبد سيئاته و حسناته
فالفعل "يتلقى" متعدى و لابد له من مفعول يقع عليه.
هـ- حذف المنادى: قد تواتر هذا الضرب من الحذف أربعة
مرات. و من شواهده : " فاصبر على ما يقولون ... " فالفعل هاهنا موجه على
جهة الإلزام إلى مأمور لم يذكر في السياق غير أن القرائن الدالة على تعيينه و
تخصيصه قائمة من البدء حتى الختام، و يكون التقدير: فاصبر يا محمد على ما يقولون.
و- حذف البيان : و شاهده الآية التالية : " يوم
يسمعون الصيحة بالحق" أي يوم يسمعون صيحة البعث بالحق فأمام هول المشهد، و
استشعار الناس لفظاعته عدل عن تبيينه و تخصيصه اكتفاء بذكره على وجه التعميم. لعل
في كل ما حذف دليلا واضحا على قوة الترابط و الاتساق بين أوصال هذه السورة :
"فما من اسم أو فعل تجده قد حذف ثم أصيب به موضعه و حذف في الحال التي ينبغي
أن يحذف فيها إلا و أنت تجد حذفه هناك أحسن من ذكره، و ترى إضماره في النفس أولى و
آنس من النطق به (18) " لأن المحذوف يكلأ النص من السقوط في مهاوي الإسفاف و
الإبتدال. و يبث فيه روح التناظم، بل إن وحدة النسق هي الحامل على مثل هذا الحذف
درءا لكل ما قد يمس جماليتها و يخرم بلاغتها.
3-4 ــــ الرابط الإحالي :
الروابط الإحلالية : هي جهاز ربطي يقوم إدراكه على غيره
لتجرده من الزمنية وعريه من المعنى في ذاته .مهمته تعويضية داخل حقل اشتغاله. يمنح
النصوص غنى الدلالة في اقتصاد لغوي. فهو بإحالته على ذات معينة سواء داخل النص أو
خارجه يساهم على نحو بين في تنظيم فضائه، ونسج شبكة من العلاقات التماثلية الظاهرة
والمضمرة بين مكوناته. ونقصد بالروابط الإحالية هاهنا أسماء الإشارة والأسماء
الموصولة والضمائر. وستعمل هذه المحاولة على جلو وظائفها الدلالية انطلاقا من
طبيعة اشتغالها في موضوع الدراسة.
أــ أسماء الإشارة: اسم الإشارة : هو ما يحمل على معين
بواسطة إشارة حسية في حال الحضور أو معنوية في حال الغياب. وظيفته إذن. تعويضية
توجيههية تعيينيه تمكنك من تحديد المقام والمدى قبليا وبعديا كما تمكنك من تعيينه
داخل النص أو خارجه. وقد تواثرت أسماء الإشارة في السورة اثني عشرة مرة(ذلك ثماني
مرات وهذا أربع) وهذه نسبة عالية إذا ماقورنت
بحجم السورة. والعلة في ذلكم طبيعية مضمونها الذي هو
استبعاد البعث والبعثة. والبعد فضاء تنشط فيه أسماء الإشارة وتختص بالإحالة عليه
ــ"ذلك رجع بعيد"واستهال لأمرها من لدن رب العزة. "ذلك حشر علينا
يسير" وأيضا تهويل لأمر هذا البعث من لدنه عز وجل.: وجاءت سكرة الموت بالحق
ذلك ما كنت منه تحيد ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد".
وقد
تأتى لاسم الإشارة أن ينسج خيوط الوصال بين مكونات هذه السورة بشكل واضح ،فهو أولا
يحيل على مثبت قبلي قريب المقام(تكرر هذا أربع مرات لأنه يشار لذي القربى بما ليس
فيه كاف ولالام.)
"عجبو
أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء "عجيب"وثانيا هو يحيل على
بعدي لم يتحقق بعد (ثم هذا ست مرات بواسطة ذلك لأنه يشار لذيالبعدي بما فيه الكاف
واللام ومعا). " أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَٰلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ."
ثم هو ثالثا يحيل على قبلي بعيد" وكم أهلكنا قبلهم من قرن...إن في ذلك
لذكر..."
وليس
يراد بالبعد هاهنا البعد الزماني فحسب وإنما يراد به أيضا التهويل والتعظيم
باعتبارهما أسلوبا من أساليب التحدي التي اعتمدها القران في المحاججة. وبذلك يكون
اسم الإشارة بكثافة تواثره .ودقة توزيعه
قد لحم بين مفاصل السورة بإحالته على مشاهد الغائب البعيد.وتعميق هولها، وبإحالته
أيضا على القريب وتقرير حاله.
ب
ــ الأسماء الموصولة / الاسم الموصول في التقعيد النحوي هو ما دل على معين بواسطة
جملة تذكر بعده تسمى صلة الموصول، فهو بذلك جسر يربط بين ضفتين ذكرهما لازم،
والوصول بينهما حكر عليه، ثم هو عنصر تعويضي ينوب مناب المشار إليه، ويرتبط به
تركيبا على جهة التبيين، وقد تكرر الاسم الموصول في هذه السورة اثني عشرة مرة :
ما:
تواثرت هذه الأداة ثماني مرات وهي بذلك
تكتسح ثلثي مساحة اشتغال الأسماء الموصولة هاهنا والسبب في ذلك قدرتها التمثيلية
التي تؤهلها للدلالة على غير العاقل كما على العاقل (بشروط تحددها كتب اللغة) إلى
جانب ما تحفل به من مضامين السورة من أدلة وجودية وتاريخية وغيبية وأحاسيس شخصية
كما في الاية:" وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ۖ ذَٰلِكَ مَا كُنتَ
مِنْهُ تَحِيدُ." والآية :" وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ... " الخ.
من
: أتت في المرتبة الثانية بعد "ما " ووظفت كلها في سياق التقوى والطاعة
ممثلة بذلك تبعيضا من الكل ، وخلاصة لمشهد من مشاهد السورة، وربطا بين هذه المشاهد
وخواتمها:"...من خشي الرحمان بالغيب" " إن في ذلك لذكرى لمن كان له
قلب ..." " فذكر بالقران من يخاف وعيد" فكأني بها قد اختزلت سورة
"ق" اختزالا رائعا ونسجت سداها
بين أطرافها من البدء حتى الختام ، فالجنة ماَل من خشي الرحمن بالغيب ، والعبرة من
ذكرالأمم السالفة ومظاهر الوجود ومشاهد القيامة ذكرى لمن كان له قلب .والقران
الكريم دعوة حق لمن يخاف وعيدا.
الذي:
إن في الذي ــ حسب عبق القاهر الجرجاني ــ "علمل كثيرا وأسرارا جمة وخفايا
إذا بحتث عنها وتصورتها ،اطلعت على فوائد تؤنس النفس ، وتتلج الصدر يخفى إليك به
من اليقين، ويؤديه إليك من حسن التبيين (19). فهو يستعمل لوصف المعارف بالجمل
:" ألقيا في جهنم كل كفار عتيد مناع للخير معتد مريب الذي جعل مع الله إلها
آخر ..." فما بعده تمييز وتعريف لما سبقه، وصلة تفضي إلى الإبانة والتخصيص عن طريق مد جسور الاتساق بين
السابق واللاحق .
ج ــ الضمائر : هي عناصر لغوية عارية من
المعنى في ذاتها تقوم مقام الذوات
المتفاعلة على مسرح الأحداث في النص حفظا لهذا الأخير من هجنة الركاكة المخلة
بأصول الإبداع ؛ فهي تنظم مجاله وتمنحه زخما اقتصاديا في لغته ، ودفقا دلاليا
مكثفا يسمح له بالتوالد والتنامي دونما حاجة إلى إعادة الذوات المتفاعلة بعينها كل
مرة . وتحيل الضمائر كلها على ما قبلها سواء أكان مثبتا في النص أم خارجه ، وسواء
اكان قريبا أم بعيدا ،لأن وجوده شرط ظروري في فهمها وهي بذلك قادرة على شد أجزاء
النص إلى بعضها والتنسيق بينها عبر محطاته وقد كان للضمير حضور بارز ومكثف في هذه السورة . فهو يربط بين أطراف
الآية الواحدة :" أفلم ينظرو إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها ومالها من
فروج."وهو ثانيا يؤلف بين محطتين :" فقال الكافرون هذا شيء عجيب (الاية
2)... بل هم في لبس من خلق جديد (الاية15)
وهو ثالثا ينسق
بين محطات السورة دون استثناء :" فقال الكافرون هذا شيء عجيب (الاية2) ... بل
نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبار ... (الآية الاخيرة45).
لم
تعد أمام الضمير حاجة إلى إعادة ذكر المشار إليه (الكفار) الذي دكر مرة واحدة في
أول الصورة (الاية2) وظل من موقعه هذا يفسر كل تجليات الضمير ويحكمها. بل أكثر من
هذا فالضمير أحال على مالم يذكر (لفظ الجلالة) صراحة في النص باعتباره مشارا إليه
فاعلا يمثل الطرف الثاني في ثنائية النفي/الإثبات." علمنا (4) بنينا زبناها (6) مددناها وألقينا ... ،انبتنا (7)نزلنا...
أنبتنا (9) أحيينا(11) أفعيينا (15) خلقنا نعلم نحن (16) كشفنا (22) قال ... قدمت
(28) لدي... أنا (29) نقول (30) لدينا (35) أهلكنا (36) خلقنا ... ما مسنا (38)
أنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير (43) علينا (44) نحن أعلم (45). (الأرقام هنا هي
أرقام الايات في السورة.)
3-
4 ــ التكرار:
التكرار
عنصر مبدع يساهم في بناء النصوص وتنميتها وانسجامها إيقاعيا ودلاليا بما يؤسسه من
معان جديدة أكثر عمقا من الأولى .وهو كذلك :" أسلوب تعبيري يصور انفعال النفس
بمثير من أشباه ما سلف .واللفظ المكرر هو المفتاح الذي ينشر الضوء على الصورة
لاتصاله الوثيق بالوجدان .فالمتكلم إنما يكرر ما يثير اهتماما عنده. وهو يحب في
الوقت نفسه أن ينقله إلى نفوس مخاطبيه ،أو من هم في حكم المخاطبين ممن يصل إليهم
القول على بعد الزمان والمكان(20).
فاللفظ
إنما يكرر طلبا لزيادة المعنى وتوكيده ،ورغبة في تحسيس المتلقي بخصوصية ذلك أن كل
زيادة في المبنى زيادة مقصودة في المعنة وتبين على وظائف حجاجية متعددة وبالنظر في
هذه السورة نقف على التجليات التكرارية التالية:
ــ
تكرار الألفاظ المستقلة.
ــ
تكرار التراكيب .
ــ
تكرار المعاني
ــ
تكرار الروابط (انظر الروابط الاحالية)
أ-
تكرار الألفاظ المستقلة : لقد تكررت نسبة كبيرة من
الألفاظ تكرارا عينيا أو اشتقاقيا .وقد توزعت الألفاظ المكررة بين الاسمية
والفعلية استجابة لمقتضيات السياق المعنوي ومن نماذج هذه المكررات : متنا ،ميتا ،
الموت ، نميت ، عبد، العباد،العبيد...الخ
ب-
تكرار التراكيب كرر مجموعة من التراكيب تكرارا كاملا غطى
مجموعة محطات السورة دون استثناء، وهذا أمر يؤكد وحدة النسق وانتظام بنيات المعنى
في سلك موحد . ومن شواهد هذا الضرب من التكرار ،قال قرينه/ قال قرينه .ولقد
خلقنا/ولقد خلقنا...الخ
ت-
تكرار المعاني:مكن هذا النوع من التكرار محطات المعنى من
التوالد والتناسل مع بعضها مع زيادة في الابانة والتخصيص تبعا لمنطق المحاججة
وتوالي الأحداث الطبيعية .فذكر السماوات والأرض كرر في السورة لا جهة التكرار
المفضي الى الهلهلة ،ولكن على جهة التكرار المبدع المؤسس لأمور لم ينص عليها بدءا ؛
ففي البداية قدم بها الدليل الحسي على يسر الحشر عليه تعالى :" أفلم ينظروا
إلى السماء ...، كذلك الخروج ." وفي المرة الثانية حدد بذكرهما المدى الزمني
الذي استغرقه خلقهما فطلب الراحة ." ولقد
خلقنا السموات ةالأرض في ستة أيام وما مسنا من لغوب ."
وكل من هذه الأشكال التكرارية قد ساهم من موقعه وحسب خاصياته الدلالية في
تناسق بنيات السورة وتناظمها، وفي إبداع وتأسيس معان إضافية تحركت في انسجام الى
جنب المعاني الأم التي تفرعت عنها وعمقت المراد منها .
3-5ـ البنية الايقاعية:
الإيقاع ظاهرة قوية الأثر وعميقة الفعل في تحديد ملامح الخطايا
الإيحائية ،ومن بينها القران ، فهي تساعد على إتمام معالم الصور الحسية والمعنوية
باندماجها في جوها .فأنت تراه في القران يتعدد أو يتوحد بتعدد مسير المعنى وتوحده
،ويلين أو يتشدد بلينه وتشدده لما له من قوة الجرس وعذرية النغم وتناسب الحروف ،وتلائم
الألفاظ ولتبرئه من كل نعوت المناجزة والتنابد
.وهو بكل ذلك يهيء المتلقي لتقبل المعاني واستلذاذها ، ويلين حسه فتتملكه رقة
الشجى والنظم ." ... إن القاسية قلوبهم من أهل الزيغ والإلحاد ،ومن لا
يعرفون لله آية في الآفاق ولا في الأنفس لتلين قلوبهم، وتهتز عند سماعه(21).
وسوف لن تركز من كل هذا على أهميته ، سوى على الفاصلة وما تولده من
انسجام وتناسب ، وذلك لخصوصية المقام :
الفاصلة :هي " حروف متشاكلة في المقاطع يقع بها إفهام المعاني وفيها
بلاغة (22)." وهي تجمع بين الوظيفتين الإيقاعية والمعنوية الأمر الذي يقوى من
دورها في تعميق وإغناء دلالة النصوص ، وتوفير جو الألفة والتآخي بين مكوناتها. وقد
وقعت الفاصلة في هذه السورة في الغالب الأعم على حرف الدال المسبوق بمد طويل أصله
ياء أو واو (مثل حرف الدال 70% واشترك في
الثلاثين الباقية كل من الباء والجيم والراء) وقد مكنها تكوينها هذا من تعميق
المضمون وتقويته فهي توحي بصورة تمادي المشركين الكفار في العناد :" إذا متنا
وكنا ترابا ذلك رجع بعيد " وتعكس دقة الرقابة الإلهية المتفشية لكل أطوار حياة ابن ادم :" ونحن
أقرب اليه من حبل الوريد ."وقد ساعد الفاصلة على تقوية أواصر الوئام بين
الأشكال والمضامين ما تستميز به من جهر وشدة ، وهي خاصيات يطلبها سياق الأحداث
الترهيبي الوعيدي .ولتحقيق هذا الاندماج ولضمان انسجام البنية الإيقاعية وتناسبها
تم التصرف في أبنية مجموعة من الألفاظ، فقد قامت صيغة مفعول مقام صيغة فاعل ثلاث
مرات : حفيظ (حافظ). حديد(حاد).قعيد(قاعد)، وقامت صيغة فعيل مقام صيغة مفعول مرة
واحدة :نضيد (منضود).
خاتمة:
تبين من خلال المطبوع معنى الاتساق القرآني
وإبراز تجلياته وأساليب اشتغاله، وإن نحن لم نركز على كل ماتضمنه النموذج المحلل
منها درءا لأسباب التي لا يتسع لها صدر المقام . والقران كما مر بنا في النموذج
المحلل منها متسق الفلذات، ومتناظم البنيات ، ومتوازن النغمات من البدء حتى الختام
، و‘إنما إبراز ذلك يقتضي ذكاء الخاطر، ونفاذ الناظر لأننا بصدد خطاب إيحائي معجز
يعلو ولا يعلى عليه . خطاب يجمع بين قوة المضامين وغنى الأشكال وتآلفها المبدع
والمؤسس لدلالات بلاغية ونكث فنية لا متناهية.
الهوامـــــــــــش
1) – البرهان في
علوم القران :الزركشي:1/36.
2)
– منهال العرفان في علوم القران :الزرقاني 1/73-74 .
3)
– الإتقان في علوم القران :السيوطي 2/108.
4)
– مجلة الوعي الاسلامي العدد 198/52.
5)
– دينامية النص: محمد
مفتاح 72.
6)
– راجع من أجل التوسع مباحث في علوم القراَن : صبحي الصالح
234-246.
7)
– الشعراء آية 195.
8)
– صحيح البخاري .والقول
أيضا في :الابتهاج بنور السراج
.المساري1/194.مع بعض التغيير .
9)
– لسان العرب مادة "قوف"
10)
– دلائل الإعجاز 170.
11)
–المصدر نفسه 185.
12)
– لم نعرض صدد هذا الا لما حاز الأهلية النحوية .
13)
– منهاج البلغاء44-45.
14)
– البرهان في علوم القران 3/458-459.
15)
دلائل الإعجاز 112.وانظر إعجاز القران البقلاني239.
16)
– الإيضاح في علوم البلاغة القزويني112.
17)
– دلائل الإعجاز118.
18)
– نفس المصدر117.
19)
نفس المصدر154 وارجع أيضا نهاية الإيجاز في دراية
الإعجاز:الرازي164.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق