إن
نشوء الشريف الرضي في بيت يتخذ كتاب الله وسنة رسوله عليه السلام منهاجا، ويعتمد
خطب الإمام رضي الله عنه دستورا في الأخلاق والسياسة والاجتماع وتربية الأذواق
وصقل المواهب. إن كل هذا، إلى جانب ثقافته المتشعبة منحه القدرة على الخوض في كل
أجناس الكتابة والتأليف المعروفة في زمنه، وأكسبه الإحساس العميق والمتفرد بسحر
الكلمة، وأهله لفهم المقاصد وتسديد المفاسد، وأورثه الذوق الرفيع لتمييز العيي من
البديع.
ففي
غمرة الكتابة والتأليف سجل الشريف الرضي مجموعة من الآراء النقدية المتقدمة التي
جاءت موزعة بين متون مؤلفاته وأبيات قصائده، والتي تنم بوضوح عن قناعاته الدينية
ورؤاه البلاغية، وتسمح بتحديد منهجه في النقد والترشيد. وللوقوف على هذه الآراء
النقدية وخبر ماهيتها وتسطير أسلوبه في التقويم الدلالي والتعبيري والمنهجي، سننظر
فيها من زاويتين؛ إحداهما بلاغية والثانية شرعية. والذي حملنا على هذا التقسيم هو
الرغبة في تبسيط مساطر التحليل، وإلا فالاشتغال على اللغة يظل واحداً وإن تعددت
تجليات هذه اللغة.
1-
الناقد البلاغي :
إذا
كان الشريف الرضي لم يخلف كتابا مستقلا في البلاغة والنقد، فإنه قد خَلَّلَ كثيرا
من مؤلفاته بآراء تسمح لنا بعده ناقدا بلاغيا دون ادعاء؛ ناقدا مرهف الحس، رفيع
الذوق، أحس الكلمة وعاش سحرها، وخبر أدوارها في تشكيل الشخصية الفنية، فثبت لديه
أن هذه الكلمة متى أسندتها الفطرة السليمة والطبع العفوي، جاءت مشرقة صادقة، ومتى
عدمت هذا أضحت حشوا لا يلتفت إليه. وسنبسط القول في هذه الآراء على النحو الآتي :